سلسة مقالات عن مكافحة سيكم للتصحر في أبعاد التنمية المستدامة الأربعة.
في قصة المشهورة ’’الأمير الصغير‘‘ للكاتب أنطوان دي سانت- اكزوبيري، يقول الراوي أن طائرته سقطت في منتصف الصحراء بعيدًا عن الحضر. قد تكون هبطت على مصر – على الأرجح أن الطائرة كانت تحلِّق فوقها وسقطت في الصحراء المصرية. في الحقيقة، أكثر من 90 بالمئة من مساحة مصر أراضي صحراوية، وتقع الأرض الوحيدة الخصبة بالطبيعة على امتداد مجرى نهر النيل، الذي يجري من الجنوب إلى الشمال حتى يصل إلى البحر المتوسط.
يعيش المصريون على طول مجرى النهر بوادي النيل والدلتا والتي تُعرَف بأكثر الواحات امتدادًا على وجه الأرض والتي تغطي فقط ستة بالمئة من مساحة الدولة المصرية. منذ حوالي خمسين عامًا، عندما كان التعداد السكاني حول الثلاثين مليون نسمة، كان يُعتبر العيش في الصحراء تحدي كبير. اليوم، زاد التعداد السكاني ثلاثة أضعاف، ولكن لم تزل المساحة المزروعة كما هي. هذا إلى جانب تغير المناخ وقلة الوعي تجاه تبعات الممارسات الخاطئة كالزراعة غير المستدامة والتخلص الخاطئ من القمامة وإهدار المياه أو تمويل حلول قصيرة المدى- كل هذا أدّى إلى المزيد من التصحر.
المياه – الذهب المصري
إن مصر تتجه نحو المزيد والمزيد من التصحر، وأصبح نيل الدلتا الثمين معرّض للتملّح بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط، وبشكل مستمر يفقد مياهه وهذا هو الضغط الطبيعي حيث سيتلاشى في البحر أكثر وأكثر. فالدولة تعاني من ندرة المياه وهي بالفعل تحت خط الفقر المائي المقرر من الأمم المتحدة (يقدر بألف متر مكعب من المياه لكل فرد في العام الواحد). وانخفضت إمدادات المياه في مصر من أكثر من 2500 متر مكعب في عام 1947 إلى 660 متر مكعب في المتوسط للفرد في عام 2003. ومن المتوقع أنه بحلول عام 2025 ستنفذ المياه كليًا في مصر.
إن المصريين لا يعانون من العطش ولكنهم يواجهون مشكلة نقص الغذاء، تستهلك الزراعة وحدها 85 بالمئة من الـ 68 مليار متر مكعب من المياه المتاحة في مصر كل عام. ولأن الدولة تعتمد على الري الصناعي لندرة سقوط الأمطار، أصبحت ندرة المياه خطرًا عامًا. فمصر تعتمد على واردات الغذاء والتي تسبب ارتفاع بأسعار الغذاء وهذا بالتالي سيؤدي إلى الفقر. وعلى سبيل المثال، فإنتاج القمح يحتاج إلى ربع مجموع إمدادات المياه في مصر.
وبجانب نقص المياه، أصيب النيل – مصدر الحياة الوحيد في مصر – بالمزيد والمزيد من التلوث بالنفايات الهائلة والكيماويات الزراعية التي تستخدم لنمو المحاصيل بأكبر سرعة ممكنة ولكنها في الحقيقة دائمًا ما تدمر الأرض -هي دورة من الحلول قصيرة المدى تسير من السيء إلى الأسوأ.
فقدان الأراضي وتأثيرها على المجتمع والاقتصاد والحياة الثقافية
هناك روابط متماثلة عندما يتعلق الأمر بآثار التصحر على المجتمع. لقد تخطت نسبة البطالة 13 بالمئة بنهاية عام 2015، فأصبح شخصان من كل ثلاثة أشخاص تتراوح أعمارهم بين الـ 20 والـ34 عامًا، بلا وظيفة. وتمثل نسبة 29 بالمئة من الأشخاص العاملين، يعملون بالقطاع الزراعي الذي يحوي فقط 13 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في مصر. ويعيش 25 بالمئة من المصريين في المتوسط تحت خط الفقر القومي.
يشكّل الفقر والتفاوت في الدخل المزيد من الضغط على الوضع الاقتصادي والسياسي. إن النظام التعليمي الحالي لا يلبّي حتى الاحتياجات الأساسية، ومازال هناك أميين بما يعادل 25 بالمئة من التعداد السكاني. فهو ليس مفاجئًا أن تكون نسبة 3.8 بالمئة فقط من إجمالي الناتج المحلي مخصصة للتعليم. وعليه، تتكدس الفصول بالتلاميذ ويلجأ المعلمون إلى اكتساب المال من الدروس الخصوصية بسبب قلة دخلهم – تطور خطر وغير منصف يحدق بمستقبل حياة الدولة الثقافية.
وتتزايد الصحراء المصرية وتتدهور الأراضي بنقص مصادر المياه والتلوث والتغير المناخي، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطعام والفقر والهجرة. هناك تحديات اقتصادية واجتماعية بسبب القصور الهائلة في النظم التعليمية – أساس أي تنمية مستقبلية. إن الصحراء لا تبدو كما تظهر أراضي جافة وقاحلة فحسب؛ بل هي تمثل أيضًا مرادفًا لوضع الدولة ككل.
كل صحراء تخفي بداخلها بئرًا
ولكن: ’’ما يجعل الصحراء جميلة هو أنها تخفي بداخلها بئرًا في مكان ما‘‘، قالها الأمير الصغير في الكتاب الذي يحمل نفس الاسم. نعم، هناك آبار، حتى في مصر ولكنها تحتاج فقط أن تُكتَشف وتحتاج مياهها الثمينة أن تُستخدم بالحرص والوعي اللازم حتى يُمكن للصحراء المصرية أن تُزرع من جديد.
تحاول مبادرة سيكم أن تكون إحدى تلك الآبار، ليس فقط من خلال الري المباشر للأراضي الصحراوية الجافة بطريقة واعية ومستدامة ولكن في الوقت ذاته من خلال تعزيز اقتصاد عادل وحياة مجتمعية متوازنة مبنية على أسس ثقافية تعكس كرامة الإنسان؛ لو أصبحت مصر صحراءً بالكامل، سيفقد المصريون الغذاء وسيتمكن منهم المرض وستتفاقم الإضطرابات المجتمعية، وأخيرًا ستختفي الحياة.
كريستين أرلت
اقرأ المزيد عن كيف تعمل سيكم على مكافحة التصحر في مصر في: