الأرض الخصبة هي أساس اقتصاد مصر.
هناك حاجة إلى أراضي خصبة للعيش عليها ولتوفير الغذاء، فضلًا عن أن وجودها يؤثر بقوة في اقتصاد الدولة. إن الزراعة هي العمود الفقري لمعظم الأنشطة الاقتصادية وظلت لعقود الركيزة الأساسية للاقتصاد المصري. وعلى الرغم من ذلك، فقد انخفضت حصتها إلى حوالي13 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي. في السبعينيات، كان يعمل بالزراعة أكثر من 90 بالمئة من المصريين العاملين ولكن النسبة انخفضت في الوقت الحاضر لتصل إلى ما يقرب من 30 بالمئة. وهذه إحدى المشاكل الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها مصر وتؤدي إلى المزيد من التحديات.
وقد تخطى معدل البطالة 13 بالمئة متمثلًا في نساء وشباب. إن الفقر الناتج والتفاوت في الدخل يسببان المزيد من الضغط على الوضع الاقتصادي والسياسي الراهن. ففي عام 2011، صنف البنك الدولي 25 بالمئة من المصريين بأنهم يعيشون تحت خط الفقر الوطني.
تدهور الأراضي يزيد من التحديات الاقتصادية
كمية المياه والأراضي الزراعية المحدودة والتصحر المتزايد مع النمو السكاني، كل هذا يخلق ضغوطًا متزايدة تلحق بقدرة مصر على توفير الغذاء لشعبها في المستقبل. إن المعدل المرتفع لدعم السلع الأساسية كالقمح وزيت الطبخ والسكر تجعل الحكومة المصرية بشكل خاص معرضة للتصادم مع الأسعار الخارجية. إن مصر تعتمد على واردات الطعام، فهي أكبر دول العالم مستوردة للقمح.
التغيرات السياسية التي حدثت في الأعوام الماضية تمثل تحديًا صعبًا أمام النظام الاقتصادي بمصر، بل يزداد صعوبة.
يحتل الاقتصاد جانبًا كبيرًا من التنمية المستدامة لأي دولة، ولكنه يحتاج إلى مناهج وقيم جديدة. عندما تأسست سيكم، اشترى د.إبراهيم أبوالعيش أولًا أرض صحراوية واستصلحها وزرعها ثم قام ببناء شركة لتجهيز المنتجات الزراعية وطرحها في الأسواق. لماذا كان استصلاح الأرض والزراعة المستدامة غير كافي بالنسبة له؟ يجيب مؤسس سيكم عن السؤال قائلًا أن سيكم يجب أن تكون مبادرة شاملة للتنمية المستدامة ’’تجري كل الأنشطة الاقتصادية وفقًا للمبادئ البيئية والأخلاقية‘‘.
تجري كل الأنشطة الاقتصادية وفقًا للمبادئ البيئية والأخلاقية
إن التنمية المستدامة واستصلاح الصحراء لا يمكن أن تكون مستدامة فعلًا إذا تم طرح منتجاتها في سوق لا يهتم بالذين يصنعون قيمة تلك المنتجات. ولتحقيق التنمية المستدامة في البعد البيئي والحياة الثقافية والاجتماعية يكون الاقتصاد الواعي والعادل أمرًا ضروري. لهذا، تشمل مبادرة سيكم اليوم شركات مختلفة يعمل بها أكثر من 1200 فرد، وعلى الرغم من أن الربح الاقتصادي ليس الهدف الأساسي، إلا أن هذه الشركات تتنافس بقوة مع نظيراتها في الأسواق.
في البداية، تأسست شركة لوتس لتجهيز النباتات العشبية والتوابل والبذور التي تزرعها سيكم بحقولها، ثم يتم نقل المواد الخام إلى شركة إيزيس أورجانيك التي تنتج منها المشروبات العشبية والتي أصبحت شركة رائدة في سوق المنتجات العضوية في مصر. ولكن لأن الناس لا يحتاجون فقط إلى الطعام الصحي ولكنهم يحتاجون أيضًا إلى المنتجات الطبية الجيدة التي تكافح أمراضهم بطريقة طبيعية تحميهم من المزيد من الأضرار، تأسست شركة أتوس فارما التي تتصدر السوق المصري في الصناعات الصيدلية النباتية المصدر. هذا بالإضافة إلى القطن المصري المشهور، الذي كان يحتل لوقت طويل قطاع اقتصادي كبير بمصر- يتم معالجته وتجهيزه كمنسوجات عضوية مُعتمدة وثياب وملابس للأطفال بشركة ناتشرتكس، إحدى شركات سيكم، وهذا من أجل السوق الأوروبي بشكل أساسي. وعلى الرغم من أن سيكم تحتفظ بهدفها الموحد وهو أن يكون البيع بنسبة 75 بالمئة على الصعيد المحلي وألا تتخطى نسبة الاستيراد 25 بالمئة من منتجاتها.
سلسلة القيمة المغلقة
وتنمي سيكم سلسلة القيمة المغلقة بالقدرة على تحديد الظروف بدءًا من الحقل وحتى المستهلك في النهاية. وبالتالي، تضمن أنشطتها الاقتصادية أن البيئة لا يلحقها أي ضرر وأن الأفراد الذين يعملون بخط الإنتاج ويصنعون القيمة يتلقون دخلًا عادلًا ويعملون في ظروف ملائمة وأن أولئك الذين يستخدمون المنتج، يستفيدون من جودته الصحية العالية.
اليوم، بعد حوالي 40 عامًا من تأسيس سيكم، توسعت شركاتها حتى أصبحت مزرعة سيكم نفسها غير قادرة على إنتاج جميع المحاصيل وحدها. وعليه، تتعاقد سيكم مع 800 مزارع تقريبًا من كل أنحاء مصر يزرعون الأراضي باتباع أساليب الزراعة الحيوية المستدامة ويمدون الشركات المختلفة بالمواد الخام. هذا لا يقتصر فقط على توفير المزيد من الوظائف ولكنه أيضًا يدعم مكافحة تدهور الأراضي.
إن الزراعة في سيكم تعني تطبيق الطرق العضوية والعمل تحت ما يسمى بشروط ’’اقتصاد المحبة‘‘، التي طورتها سيكم ويمكن مقارنتها مع القيم الدولية للتجارة العادلة. يتلقى المزارعون عقود وأسعار ثابتة تمكّنهم من ضمان سبل عيش آمنة لأسرهم ومن التخطيط والتوسع في أنشطتهم التجارية. هذا إلى جانب أن سيكم تدعم كل مزارعيها الموردين بتوفير لهم دورات تدريبية منتظمة وأنشطة ثقافية، مثل فصول لمحو الأمية أو ورش عمل عن المناهج الزراعية الجديدة. من الواضح أن المزارعين وسيكم يستفيدون من هذا الوضع المربح للجانبين والمبني على الأخوة بدلًا من التنافس والأنانية.
الشراكة الدولية
في كل عمليات سلسلة القيمة تكون للشراكات الموثوقة دلالات هائلة. فمنذ تأسيسها وسيكم تنتفع من مدعمين أصحاب مناهج مشابهة لمنهجها. وقد تأسست شبكة واحدة من الشركاء في سيكم لتبني أحد أهم الركائز الأساسية في حياة سيكم الاقتصادية: الجمعية الدولية للشراكة في الاقتصاد والتجارة (IAP). تأسس هذا التعاون من خلال العديد من شركاء الأعمال الأوروبيين ذوي الشراكة طويلة المدى، وهذا لخلق تفاعل حي ومرن بين المزارعين والمنتجين والتجار بهدف تقديم منتجات عالية الجودة للمستهلكين. ويتعاون الشركاء منذ عام 1984 لتعزيز أسس الزراعة الحيوية والعضوية في كل أنحاء العالم ومن أجل بناء مجتمع ذي مصالح مشتركة يربط بين الشرق والغرب.
وقد أنشأ أعضاء الجمعية الدولية للشراكة زهرة الاستدامة، وهي أداة للتقييم والإدارة والتواصل، وتمثل مبدأ التنمية المستدامة في أبعادها الأربعة، حيث يتكون كل بُعد من العديد من جوانب الأداء والتي يتم تحديدها بالتفصيل من خلال مؤشرات الأداء التي يتم تلخيصها سنويًا في تقرير سيكم للاستدامة. إن زهرة الاستدامة تعتبر أداة إدارية جديدة ورائدة ويطبقها أيضًا الكثير من شركاء الأعمال الأوروبيين.
أخذ تكلفة الآثار البيئية بعين الاعتبار
لتعزيز الأنشطة الاقتصادية المستدامة التي تمنع تدهور الأراضي، تلتزم سيكم بكشف التكلفة الحقيقية للزراعة والإنتاج الغذائي. في دراسة (تحت عنوان ’’مستقبل الزراعة في مصر‘‘) تم مقارنة التكلفة الكلية لتنمية الإنتاج العضوي والتقليدي للخمسة محاصيل الأساسية في مصر حيث أُخذت بعين الاعتبار الآثار البيئية كتلوث التربة والهواء والماء. واستنتج هذا البحث أن على الرغم من أن مدخلات الزراعة العضوية أكثر قليلًا من نظيرتها التقليدية ولكنها تمكّن من تقليص تكلفة تدمير البيئة والصحة، مما ينتج عنه فعالية أفضل من حيث التكلفة وربح أكبر على المدى الطويل للمجتمع ككل.
ومن خلال دعم وإقامة مشاريع ودراسات وأبحاث، تحاول سيكم دائمًا أن تنشر النتائج الإيجابية لأعمالها اليومية، لتبرهن على أنه من الممكن أن تحقق أعمال تجارية ناجحة وفي الوقت ذاته هي أعمال مستدامة وواعية لا تؤذي البشر والبيئة.
فعندما اشترى د.إبراهيم أبوالعيش، مؤسس سيكم أرضًا في منتصف الصحراء ليبني عليها مبادرة مستدامة بها اقتصاد مزدهر، أتُهِمَ بالجنون. اليوم، هذه الأرض القاحلة ليست مزهرة فحسب بل أيضًا الشركات، تعمل بتنافسية في الأسواق المحلية والدولية. لقد أثبتت سيكم أن ’’اقتصاد المحبة‘‘ الذي يعود على مصر بأراضي زراعية خصبة ومجتمع صحي، من الممكن تحقيقه.
كريستين أرلت
اقرأ المزيد عن كيف تعمل سيكم على مكافحة التصحر في مصر في: